يبدأ مشهد المساحات الشاسعة من رمال الصحراء الحمراء الساحرة بالامتداد على مد نظرك، وأنت تقود سيارتك متجهاً شرقاً خارجاً من مدينة الشارقة، مخلفا وراءك الأبنية المرتفعة ومصانع المدينة.
تم إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971، حيث امتدت إمارة الشارقة جغرافيا على طول ساحل الخليج العربي غربا واتخذت مدينة الشارقة عاصمة لها، وتبعها شرقا على ساحل خليج عمان ثلاث مناطق هي كلباء وخورفكان ودبا الحصن، وامتد بينهما جبال وصحراء واسعة. فهي الإمارة الوحيدة التي تتمتع بسواحل رملية على جانبيها من جهة الخليج العربي ومن جهة خليج عمان.
وشهدت مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة تطورات وإنجازات حافلة في العقود الأخيرة، ساهمت إمارة الشارقة بهذه المسيرة لكنها اتخذت مسارا متميزا لها، تمثل بأهمية المحافظة على التراث العريق والأصالة والتاريخ الغني للمنطقة، حيث تشهد مناطق الساحل الشرقي "كلباء" و "خورفكان" على تاريخ قبائل الصيادين والبحارة الأوائل في هذه المنطقة، وتستطيع إلى يومنا هذا أن تلتقي وتقابل العديد من الجيل القديم وهم يتشاركون فنجانا من الشاي في مقاهي الميناء الصغيرة، وعادة ما ترافق جلساتهم لعبة الطاولة الشعبية.
تسحرك المدن ببريقها وأضوائها، لكن جمال طبيعة إمارة الشارقة سيسحرك بمياه خلجانه المتلألئة والشواطئ الرملية الناعمة وأشجار المنغروف العريقة، وكلها ذات طابع مختلف ومتميز عن طبيعة الساحل الغربي.
أما المنطقة الشرقية فتعكس روح وطابع الجو العائلي التقليدي الأصيل، فترى العديد من الإماراتيين يقصدون هذه المنطقة ليتمتعوا بهذه الأجواء ويستمتعوا بالاسترخاء والهدوء في عطلات نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية. ويعتبر الشاطئ والكورنيش الممتد بطول 3 كيلومترات في خورفكان مكاناً مشهورا للتنزه، ويضم مساحات جميلة ونظيفة من الرمال الناعمة مع المراكب المائية والأنشطة الكثيرة.
كرست الإمارة جهودها للمحافظة وإحياء التراث التقليدي العريق، ولم تتخلى في الوقت نفسه، عن تطوير مشاريع سياحية بيئية مستدامة تسلط الضوء على جمالها الطبيعي وتاريخها الضارب في القدم.
تحتضن إمارة الشارقة العديد من المساحات الصحراوية الآسرة في الدولة، وتتنوع تضاريسها بين الوديات الخصبة والجبال المتعرجة. ويستمتع الكثير من الزوار بسهولة الوصول إلى هذه المناطق الطبيعية، والالتقاء بالسكان المحليين الذين تنعكس على وجوهم علامات الفخر بتراثهم وأرضهم فيتحدثون ويتكلمون بسعادة غامرة عن تاريخ بلادهم العريق.
ونتيجة للجهود التي تبذلها الإمارة في حماية البيئة، تحولت إلى وجهة لعشاق الطبيعة، حيث يعد مركز الحفية لصون البيئة الجبلية أحد المشاريع الرائدة التي تتبناها الإمارة لتعزيز مكانتها البيئية وتسليط الضوء على التنوع الحيوي للمنطقة، ويقع على بعد 90 دقيقة بالسيارة من مدينة الشارقة. ويمتد على مساحة 12 كيلومتر مربع وهو موطن لـ 30 نوعاً من الحيوانات التي تعيش بمحيطها الطبيعي في وادي الحلو وكلباء وخور فكان.
ويقوم مركز الحفية بتثقيف الزوار حول التراث الطبيعي للمنطقة، ولكنه يلعب أيضاً دوراً مهماً في الحفاظ على البيئة، حيث يحمي أكثر الأنواع المهددة بالانقراض في البلاد - مثل النمر العربي والطهر العربي – والتي لاتزال موجودة بفضل الجهود الحثيثة التي يقوم بها المركز.
وانطلاقا لتعزيز المشهد السياحي البيئي في الإمارة، أطلق مشروع "كلباء" للسياحة البيئية، الذي هو بمثابة جوهرة في تاج إمارة الشارقة، ليكون مركزا رئيسيا لمراقبة الطيور ومقصدا لممارسة مهارة التجديف والرماية ومجموعة أخرى من الأنشطة.
وبفضل الجهود الحثيثة للإمارة في صون وحماية البيئة، استطاعت أشجار المنغروف التي يبلغ عمر بعض منها 300 عاماً، أن تؤمن مواقع التعشيش الوحيدة المعروفة لطائر الرفراف النادر ذي اللون الأبيض. وفي الآونة الأخيرة، عادت السلاحف البحرية إلى شواطئ الموقع لتضع بيضها بعد غياب دام 40 عاماً.
اشتهرت دولة الإمارات العربية المتحدة بتاريخها الغني الذي كان يعتمد بشكل رئيسي على الصيد البحري ورحلات الغوص والبحث عن اللؤلؤ، وصولا إلى مرحلة اكتشاف النفط، وقد ساهمت إمارة الشارقة بهذا التاريخ واتخذت منهجا خاصا بها تدعم وتسلط الضوء من خلاله على حقبة زمنية عريقة في تاريخ الدولة.
حيث تهتم الإمارة بآثارها التي تروي تاريخها الغني، فمركز مليحة للآثار يقوم بدراسة مواقع تضم حفريات تعود لأكثر من 100،000 سنة من بقايا العصر الحجري الحديث والحديدي والبرونزي. وفي غضون 40 دقيقة فقط يمكن للزوار القادمين من مدينة الشارقة سبر هذه الاكتشافات الرائعة في جولات تناسب العائلات مصحوبة بمرشدين محترفين.
ويمكن للزوار عيش مغامرة القيادة بسيارات الدفع الرباعي بين الكثبان الرملية أو القيام برحلات السفاري أو استكشاف مسارات ركوب الدراجات في الجبال والمشي لمسافات طويلة. كما يمكن للزوار المغامرين القفز بالمظلات أو بالباراموتور "مظلات ذات محرك" من على أعلى قمم مليحة، فهذا المشروع يعكس مثالا رائعا على التناغم الذي حققته إمارة الشارقة بين المحافظة على التراث العريق والتطور المدني المذهل. ة.