قصص الشارقة

الاستغراق في سحر عالم زاخر بالفنون في بينالي الشارقة الذي يحمل العنوان "خارج السياق"

Written by نغم البدوي | 27 Apr

يضم بينالي الشارقة ما هو أكثر من المعارض الفنية. إذ يتميز بالكثير من الفعاليات الأخرى التي تتنوع بين الدورات التدريبية المجانية في مجال التصوير الفوتوغرافي وصولاً إلى عروض الأفلام المستقلة. يُرجى الاطلاع على التجارب المثيرة التي حظيت بها خبيرة السفر نغم البدوي (nanotraveldiary@) أثناء استعراضها لهذا المعرض الفني الفريد للمرة الأولى.

لطالما اعتقدتُ أن زيارة المتاحف الفنية أمر لا يناسبني، حتى أتيحت لي الفرصة لزيارة بينالي الشارقة، الأمر الذي غيّر رؤيتي حول الفن والمتاحف تمامًا.

إنه لأمر مذهل وجنوني حقًا أن ترى أعمالاً فنية حديثة داخل منازل تقليدية قديمة. فبمجرد أن وطأت قدماي إلى داخل هذا العالم الفني المذهل، بدا الأمر كما لو أنني دخلت إلى كبسولةٍ زمنية ورجعتُ بالزمن إلى الشارقة القديمة التي تتزين أزقتها الجميلة بالفوانيس المضيئة. وسيأخذك كل منزل أو غرفة إلى السفر بالزمن إلى المستقبل، أو يوصلك إلى اكتشاف روحي أو أعجوبة موسيقية.

لقد شملت الفنون رسومات بصرية وسمعية بين الماضي والحاضر والمستقبل لخلق مدلولات عميقة تُفضي إلى إنشاء مقاربات تسافر من خلالها إلى أبعد مما تراه وتسمعه. وتتميز كل غرفة بنمط مختلف، وتنبعث منها رائحة مميزة وصوت متفرد، الأمر الذي يجعلك تشعر وكأنك تسافر في رحلة مختلفة حقًا.

يُقدم بينالي الشارقة أعمالاً فنية رائعة مُقدَّمة من 80 فنانًا عصريًا مختلفًا من جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أنني أسافر كثيرًا، فإنه لم يسبق لي أن تواجدتُ في حيز صغير تبلغ مساحته كيلومترًا واحدًا وكان له واقع السحر والخيال في أن يأخذني في جولة في جميع أنحاء العالم من خلال 80 رحلة ذهنية حالمة، و80 زيارة ثقافية، و80 اكتشافًا عقليًا، و80 صوتًا مختلفًا وأعمالاً فنية تعبر عن روعتها في صمت، و80 رحلة هادفة ومثيرة للاهتمام. ولا شك أن هذا أحد الأماكن الفريدة التي يمكن أن تجعل كل حواسي الجسدية والروحية تشعر بالمتعة. فحيز صغير تبلغ مساحته كيلومترًا واحدًا فقط يمثل العالم كما نعرفه، بل ويتجاوزه.

أما أكثر ما حظي بإعجابي هو أن كل عمل ومعرض فني يحمل رسالة معينة، بدايةً من زوي بُت التي تعرض لفكرة الاستغلال الاستعماري والصراع الاجتماعي والديني والتطرف الأيديولوجي، في حين يحثنا عمر خُليف على أن نعود إلى الوراء ونستعرض تاريخ الثقافات المادية بعين ناقدة وأن نتمهل في معايشة التجارب. وفي الوقت نفسه، تتناول هيثر فيليبسون ما يُطلق عليه اسم "متلازمة المباني المغلقة"، فيما يتيح الفنان السوري هرير سركيسيان التفكير في معطيات الصدمة من خلال بورتريه امرأة من سوريا، وأخيرًا يسلط ألفريدو جار المُفضَّل لديّ الضوء على 33 امرأة من القيادات النسائية المهمشات والبعيدات عن الأضواء تقريبًا أو اللواتي لم ينلن حتى الآن القدر الكافي من تقدير الرأي العام.

ما ذكرته سابقًا ليس سوى عينة مما رأيتُه وتعلمتُه خلال اليوم الذي قضيتُه في بينالي الشارقة، حيث استمتعتُ باستراحة في مقهى "فن" وانتهى بي الأمر بمشاهدة عرض موسيقي مدهش لفرقة "معازف" الموسيقية، وهو واحد من العروض الموسيقية العديدة التي سيتم تقديمها خلال فترة إقامة بينالي الشارقة، والذي سيستمر حتى يونيو 2019.

بجانب العروض الموسيقية، يوجد العديد من البرامج التعليمية المصممة لتناسب كل فرد من أفراد الأسرة لتشجيع الإبداع واستقطاب المشاركين من جميع الأعمار ومختلف القدرات والأوضاع المالية والمستويات المهارية، وهو ما أضفى إلى هذا المكان نوعًا من التفرد والتميز. ففي جميع زياراتي للمتاحف حول العالم، لم أستطع العثور حتى الآن على مكان أرى فيه أطفالًا يستمتعون بورش عمل في مجال التلوين، بينما البالغون يتعلمون كيفية سرد القصص على القماش أو تقديم عرض على مسرح فني في مكان واحد.

بعد أن حصلتُ على دورات تعليمية مجانية تتضمن مجال النقل، فقد شجعني ذلك على التسجيل في معظم دورات التصوير الفوتوغرافي التي كانت ستكلفني مبالغ طائلة في حال قررت التسجيل فيها خارج هذا المعرض، مثل دورة التصوير الفوتوغرافي السلبي التي ستُقام في 21 أبريل، حيث ستتاح لي الفرصة لمعرفة المزيد حول هذا الفن الذي لم أعرف بوجوده قبل ذلك حتى رأيت التمثال ثلاثي الأبعاد باستخدام تقنية التصوير الفوتوغرافي السلبي الذي أبدعه الفنان هرير سركيسيان لبورتريه امرأة عثر عليه في متجر في دمشق، والذي يُعرض في بينالي الشارقة. هذا بالإضافة إلى دورة التصوير الفوتوغرافي للخيول التي ستقام في 25 أبريل، حيث سيتم نقل المشاركين بالحافلة إلى نادي الشارقة للفروسية والسباقات، وهناك سنتعلم بعض أساسيات التصوير الفوتوغرافي والتقاط صور للخيول ومن ثم إنهاء هذه الدورة بجولة ترفيهية على أظهر الخيول. وهكذا، ففي دورة واحدة فقط سوف نحصل على المعرفة ونستمتع بالترفيه، أليس هذا أمرًا مدهشًا وفريدًا حقًا؟

لا تقتصر الدورات المقدمة على التصوير الفوتوغرافي فحسب، بل تشمل أيضًا الفنون المسرحية والموضوعات المتعلقة بصناعة الأفلام مثل "الرسوم المتحركة بتقنية إيقاف الحركة".
أتمنى لو كان لدي أطفال لأجعلهم يعيشون نفس الفرحة التي شاهدتها في عيون الأطفال وهم يستمتعون باليوم المفتوح للأطفال، والذي يُقام كل سبت خلال فترة إقامة البينالي من الساعة 10 صباحًا إلى الساعة 12 ظهرًا، حيث يشارك الأطفال في أساليب تتعلق بالفن ومهارات الزراعة لتعلم كيفية التواصل على نحو أفضل مع النباتات وبناء علاقة معها. صدقوني إن الأمر ليس مملاً كما قد يبدو لكم، فالأطفال كانوا يستمتعون بالكثير جدًا من الأنشطة المتعلقة بالتلوين، ولذلك يمكن توقع بعض الفوضى غير الضارة😊. علاوةً على ذلك، هناك العديد من البرامج التعليمية التي ربما لا يمكن الحصول عليها في أي مدرسة مثل كتابة الرسائل وزيارة "متحف الشارقة البحري".

حيث إنني من مدمني مشاهدة الأفلام، فقد كان من المثير للإبهار حقًا التعرف على قائمة من الأفلام الوثائقية والروائية والتجريبية التي يتم عرضها يوميًا في "سينما سراب المدينة" في الهواء الطلق في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً، ولا بد من التنويه مرة أخرى أن كل هذا مجانًا. لذلك، كان علي العودة مرة أخرى بعد تناول عشاء خفيف في مقهى "فن" لمشاهدة فيلم واحد، والذي يمكنني القول إنه كان يستحق الانتظار حقًا دون الإفصاح عن قصته.

لقد انبهرت حقًا بمعرض بينالي الشارقة. ففي البداية اعتقدت أنني سأزور أحد تلك المتاحف المملة التي أتجنب زيارتها في معظم رحلاتي، لكنني كنت على خطأ تمامًا؛ فقد زرتُ مكانًا زاخرًا بكل التجارب الترفيهية والتعليمية والفنية والروحية، التي لا شك أنها كانت ممتعة لي وللجميع.

لقد وعد بينالي الشارقة بتجاوز آفاق توقعاتنا، ويمكنني أن أؤكد لكم أنه قد أوفى فعلاً بوعوده بالنسبة لي.

انظر الرابط أدناه للاطلاع على جميع أنشطة بينالي الشارقة القادمة
http://sharjahart.org/biennial-14/programme/film-programme1