مثلما هو الحال مع المجرات البعيدة، تحيط الصحاري نفسها بهالة من الوعود والغموض، حيث تحتوي رمالها الساكنة على أسرار قديمة تنتظر الكشف عنها. في رمال المليحة، حيث الكثبان الرملية الهائلة التي تشبه ثمرة الماندرين والجبال المسننة في المنطقة المركزية من الشارقة، عثر علماء الآثار على الاكتشاف الأهم.
عميقًا تحت رمال الصحراء، يوجد عدد لا نهائي من الآثار التي تخلفت عن الكثير من المجتمعات الإنسانية تعود حتى العصر الحجري. عُرضت أهم هذه الاكتشافات في واجهات زجاجية في مركز المليحة للآثار والذي يعتبر أيضًا نقطة الانطلاق لمغامرات الصحراء المشوقة.
يوجد هذا الكنز المكتشف الطبيعي والتاريخي على بعد 65 كيلومترًا يمكن قطعها بالسيارة جنوب شرقي مدينة الشارقة. كان التشويق يزداد أكثر كلما اختفى من خلفي ضجيج التمدن ليفسح المجال أمام تلك الصحراء الحارة صعبة المراس. كانت أشجار الغاف الوارفة (الشجرة القومية بدولة الإمارات العربية المتحدة) تبرز من أرضية الصحراء لتمنح الطعام للجمال البرية التي قلمت فروع الأشجار السفلية بإتقان يضاهي تقليم أسيجة الشجيرات في المدينة.
لا تعبر لافتة مدخل "مركز آثار المليحة" المتواضعة عن حقيقة أنك وصلت إلى أحد أهم المواقع الأثرية في دولة الإمارات العربية المتحدة وأكثرها تعقيدًا، والذي يواجه خلفية الكثبان الرملية زهرية اللون والحواف المسننة لجبل الفاية. المركز نفسه عبارة عن تحفة معمارية: مبنى ذو انحناءات شديدة مبني من الحجر الرملي والنحاس يتناغم بصورة رائعة مع البيئة المحيطة به. ينتظرك في الداخل اجتماعًا تعريفيًا عن المنطقة والاكتشافات المذهلة من العصر الحجري القديم، والعصر الحجري الحديث والعصر البرونزي والعصر الحديدي وعصور ما قبل الإسلام والتي تمكن علماء الآثار من اكتشافها على مدار الأربعين عامًا الماضية.
نافذة على الماضي
معرض صغير، لكنه شامل، يستخدم الخرائط والمخططات الزمنية والرسوميات والقطع للكشف عن تلك الطبقات المتعددة من التاريخ بطريقة سهلة وبسيطة. يفخر المكان بعرض فؤوس حجرية يبلغ عمرها 130 ألف سنة والتي تشبه تلك التي صُنعت في شرق إفريقيا، مهد الإنسانية، في نفس الوقت تقريبًا. يشير وجودها في صحراء المليحة إلى أن البشر غادروا إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في وقت مبكر عما اعتقده العلماء في السابق، وعبروا البحر الأحمر في نهاية العصر الجليدي عندما كانت القناة بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية أكثر ضيقًا مما هي عليه اليوم. كما ستشاهد فيلمًا قصيرًا يصف كيف حدثت تلك الهجرة وظروف الحياة التي كانت تشبه بيئة السافانا التي كانت تنتظر أولئك المستوطنين الأوائل.
في مكان آخر، ستقف مشدوهًا أمام مجموعة من العملات المصكوكة محليًا، والسكاكين البرونزية، والمجوهرات المصنوعة من الأصداف والمرجان، وشاهد قبرًا يبلغ من العمر 2300 سنة يحمل كتابات باللغة الآرامية ولغة جنوب شبه الجزيرة العربية. هذا إلى جانب مزهريات وأوعية وسلع أخرى مستوردة من أماكن على غرار الهند وإيران واليونان، مما يشير إلى أن المليحة كانت فيما مضى مدينة مهمة على طريق القوافل التجارية البري الذي يربط بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط. من بين أكثر المعروضات المثيرة، مقبرة أُعيد ترميمها لجمل وحصان يرتديان كسوات فخمة ومدفونين إلى جوار مالكهما في طقوس تعود إلى عصر ما قبل الإسلام تُدعى "بالية".
يلتف المركز نفسه حول أهم المعالم الأثرية بالمليحة، مقبرة أم النار من العصر البرونزي والتي يمكن رؤية شكلها الدائري وحجراتها المتعددة من منصة مشاهدة توجد على قمتها. على الرغم من أنه لم يتم العثور إلا على ستة هياكل عظمية - مزينة بالقلائد والخواتم والأساور - إلا أنها ربما احتوت على حوالي 300 جثة.
الغوص في الصحراء
لم تكن لتكتمل الرحلة إلى المليحة من دون الخروج إلى مغامرة في عمق الصحراء والاستمتاع بجمالها الخلاب. يقدم المركز مجموعة من الأنشطة والمغامرات التي يشرف عليها الخبراء، بداية من جولات السير القصيرة وجولات قيادة الدراجات التي تحتاج إلى قوة احتمال كبيرة، إلى مغامرات ركوب الدراجات الرباعية المشوقة على الكثبان الرملية وجولات ركوب الخيول عند مغيب الشمس. إليك عددًا من أنشطتنا المفضلة.
الجولة الأثرية
إن كنت ترغب في فهم موقع المليحة من التاريخ بصورة أعمق، فاشترك في الجولة الأثرية. في راحة سيارة دفع رباعي مكيفة الهواء، ستتجه أولاً نحو كهف الفاية، نفس المأوى الحجري الذي عُثر فيه على الفؤوس الحجرية من العصر الحجري القديم. كما تزور خلال الجولة القصر والحصن من عصر ما قبل الإسلام، إلى جانب منزل مزرعة يحتوي على مطبخ تحت الأرض يحتوي على أفران دائرية الشكل. ومن بين أبرز وجهات الجولة أيضًا، مدافن شاسعة تحتوي على ستة مقابر أثرية و120 قبرًا تحت الأرض، يمكن دخول بعضها.
جولة المناظر الطبيعية بالمليحة
تمزج تلك الجولة المذهلة التي تستغرق ساعة واحدة بين إثارة القفز عبر الكثبان الرملية المتموجة في سيارة دفع رباعي وزيارة أبرز المعالم الطبيعية الرائعة في المنطقة. بادئ ذي بدء، صخرة الجمل، والتي عبارة عن نتوء صخري معزول على شكل جمل راكع. تبرز الصخرة من الرمال بشكل واضح وتبدو عجيبة الشكل خاصة عندما تنظر إلى هيئتها في ضوء القمر ليلاً. ثم تتسلق الجولة بعد ذلك صخرة الحفريات، وهي عبارة عن قائم صخري يشبه كومة من الفشار المتحجر عن قرب. تزخر الصخرة بالحلزونات الدقيقة والشعاب المرجانية وكائنات بحرية متحجرة أخرى منذ 65 مليون سنة عندما كانت المنطقة مغمورة بأحد البحار القديمة. عندما يتم صب بعض الماء على الصخور، سيمكنك رؤية هذه الكائنات بسهولة أكبر. اقض بعض اللحظات لتغرق في المنظر المذهل للكثبان الرملية والجبال التي تتجلى أمام عينيك على مدى البصر.
جولات ركوب الدراجات في الصحراء
إن كنت شخصًا نشيطًا، فقد تفضل زيارة جميع تلك الكهوف والمقابر والأطلال بمجهودك باستخدام دراجة فات بوي، وهي دراجة قوية مجهزة بإطارات عريضة للغاية لتمكنك من السير بها عبر الصحراء. بالنسبة لهواة التصوير الذين يتمتعون بلياقة بدنية عالية، يجدر بهم حجز جولة المناظر الطبيعية التي ستمكنك من ركوب الدراجة لتصل إلى مواقع متميزة لالتقاط الصور التي ستجعل حسابك على إنستغرام مزدحمًا بالزوار.
استراحة الغروب
في نهاية اليوم، لن يوجد مكان أكثر هدوءًا من استراحة غروب المليحة، وهي عبارة عن مخيم صحراوي مضاء بمشاعل، حيث يمكنك الجلوس على مقاعد وثيرة ضخمة بجوار نار المخيم، والاستمتاع بعشاء من المشويات والتحديق في قبة من النجوم عبر تليسكوب فائق القوة. إن كنت ترغب في الانغماس في الصحراء أكثر، فسيمكنك المبيت في خيمة والاستمتاع بالسكون والظلام قبل مشاهدة الشمس تشرق وتلقي بظلالها الطويلة الداكنة التي تتراوح ألوانها من الأحمر إلى القرنفلي.
Lonely Planet
قم بزيارة حسابي
إرسال الرابط بالبريد الالكتروني
نسخ الرابط